2:33 PM حق الآباء في أموال الأبناء |
حق الآباء في أموال الأبناء
السؤال : إن الله تعالى أوصى بالآباء خيراً ، و أوجب لهم على أبنائهم
حقوقاً معنوية ( كتوقيرهما ، و التلطف في مخاطبتهما ، و عدم التأفف منهما )
و ماديَّة ( كالنفقة بالمعروف على الموسر ) . قال تعالى : ( و قَضَى
رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلا إيَّاهُ و بِالوَالِدَيْن إحساناً إمَّا
يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ
لَهُمَا أُفٍّ و لا تَنْهَرْهُمَا و قُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيْماً ) [
الإسراء : 23 ] . و يجمع بين الحق المعنويِّ و
الماديِّ للآباء على الأبناء وُرُود النصِّ بأنَّ لهم حقٌّ ثابت في أموال
أبنائهم ، حيث إنَّ حصولهم على هذا الحق و تمكينهم منه واجب ماديٌّ على
الأبناء ، و جعلُ ذلك لهم بمثابة الكسب الحلال الذي لا ينازعون في أخذه ، و
لا فضلَّ و لا منَّةَ لأحدٍ فيه عليهم يترك أثراً معنوياً حسَناً في
نفوسهم . لذلك قضت الشريعة الغراء بأن
للأب أن يأخذ من مال ابنه مقدار حاجته بكرامةٍ و عزة نفس لا يتبعها أذىً و
لا منَّة ، كيف و هو ـ في ذلك ـ إنَّما يأكل مِن كَسبِه الطيب ، و يأخذ من
حقِّه الثابت . فقد روى ابن ماجة بإسناد صحيح
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله إنَّ
لي مالاً و وَلداً ، و إنَّ أبي يريدُ أنْ يجتاحَ مالي . فقال عليه الصلاة و
السلام : ( أنت و مالك لأبيك ) . و روى أبو داود و ابن ماجة في
سننهما بإسناد صحيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أنَّ رجلاً أتى
النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : إنَّ لي مالاً ، و إنَّ والدي يحتاج
إلى مالي ، قال : ( أنت و مالك لوالدك ، إن أولادكم من أطيب كَسْبِكُم ،
كلوا من كَسْبِ أولادكم ) . قلتُ : و لا فرق بين الأب و
الأم في أن لكل منهما الحق في أن يأخذ من مال ولده ، لما رواه أبو داود و
ابن ماجة و النسائي بإسنادٍ صحيح عن عمارة بن عمير ، عن عمَّته ، أنها سألت
عائشة رضي الله عنها : في حجري يتيم أفآكل من ماله ؟ فقالت أم المؤمنين :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنَّ من أطيب ما أكل الرجل من
كَسْبِهِ ، و ولَدُه مِن كَسْبِه ) . أمَا وقد تقرر ذلك فلا بد من
الإشارة إلى أن بعضَ أهل العلم ذهبوا إلى أن للأب الأخذ من مال ولده بدون
قيدٍ أو حدٍّ ، لحاجته و فوق حاجته ، سواء رضي بذلك الابن أم لم يرضَ . قال الشوكاني رحمه الله في
شرح حديث أم المؤمنين رضي الله عنها : ( يدل على أن الرجل مشارِكٌ لولده في
ماله ، فيجوز له الأكل منه سواء أذن الولد أو لم يأذن ، و يجوز له أيضاً
أن يتصرف به كما يتصرف بماله ، ما لم يكن ذلك على وجه السَرَفِ و السَفَه )
. [ نيل الأوطار : 5 / 391 ] . و اعتُرِض على من ذهبَ هذا
المذهب بما رواه الحاكم بإسنادٍ صححه ، و قال : هو على شرط الشيخين ، عن
عائشة رضي الله تعالى عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (
إن أولادَكم هبةُ الله لكم ، يهب لمن يشاء إناثاً ، و يهب لمن يشاء الذكور
، فهم و أموالهم لكم إذا احتجتم إليها ) . و هذا الحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة و الإرواء لا على شرط الشيخين ، و قال معقباً عليه : و في الحديث فائدة فقهيية هامة قد لا تجدها في غيره ، و هي أنه يبين أن الحديث المشهور : ( أنت و مالك لأبيك ) ، ليس على إطلاقه ، بحيث أن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء ، كلا ؛ و إنما يأخذ ما هو بحاجة إليه ) . قلت : و العقل و الاعتبار يشهدان لمذهب تقييد حق الأب في مال ابنه بمقدار الحاجة لا غير ،
إذ لو كان معنى قوله : ( أنت و
مالك لأبيك ) على ظاهره و إطلاقه لاستحق الأب الاسئثار بمال ولده بعد
وفاته لا يشركه فيه غيره من الورثة ، و لكانت عليه زكاته في حياته إن قصَّر
في أدائها الولد ، و ليس الأمر كذلك . قال ابن الهمام الحنفي بعد
ذكر حديث عائشة المتقدم : ( و مما يقع بأن الحديث يعني أنت و مالك لأبيك ما
أُوِّلَ أَنَّهُ تعالى وَرَّثَ الأبَ مِنْ ابنِهِ السُدُسَ مَع وَلَدِ
وَلَدِهِ ، فلو كان الكل ملكَه لم يكن لغيره شيء مع وجوده ) . قال ابن قدامه رحمه الله : و للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع غناه و حاجته بشرطين : [ الكافي : 2 / 471 ] .
فليتق الأبناء و الآباء
ربَّهم فيما أعطَوا و ما تَرَكوا ، و لا يجاوِزَّنَّ أحدهم حدودَ ما شرعَه
الله تعالى له ، فإنه ( من يعص الله و رسوله و يتعدَّ حدوده يدخله ناراً ) ،
( و من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) .
هذا ، و الله أعلم و أحكم ، و ما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت و إليه أنيب . كتبه د . أحمد بن عبد الكريم نجيب |
|
مجموع المقالات: 0 | |