1:58 AM خباب بن الأرت |
خباب بن الأرت اسمه هو خباب بن الأَرَتّ بن جندلة التميمي، ويقال الخزاعي أبو عبد الله، سُبِي في الجاهلية فبيع في مكة، فكان مولى أم أنمار الخزاعية، حالف بني زهرة، وكان من السابقين الأولين. حاله في الجاهلية دفعت أم أنمار غلامها إلى أحد الحدادين في مكة ليعلمه صناعة السيوف، فما أسرع أن أتقن الغلام الصنعة، وتمكّن منها أحسن تمكن. ولما اشتد ساعد خباب وصلب عوده استأجرت أم أنمار دكانًا، واشترت له عدة، وجعلت تستثمر مهارته في صنع السيوف. لم يمضِ غير قليل على خباب حتى شهر في مكة، وجعل الناس يقبلون على شراء سيوفه؛ لما كان يتحلى به من الأمانة والصدق وإتقان الصنعة. وكان خباب -على حداثة سنِّه- يتحلى بعقل الكلمة وحكمة الشيوخ؛ فكان كثيرًا ما يفكر في هذا المجتمع الجاهلي الذي غرق في الفساد من أخمص قدميه إلى قمة رأسه، راجيًا أن يرى بعينه مصرع الظلام، ومولد النور. إسلامه لم يطل انتظار خباب كثيرًا، فقد ترامى إليه أن خيطًا من نور قد تألق من فم فتى من خيرة بني هاشم، يُدعى محمد بن عبد الله، فمضى إليه وسمع منه فغمره سناه، فبسط يده إليه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فكان سادس ستة أسلموا على ظهر الأرض. وقد أسلم خباب قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم. أثر الرسول في تربيته روى البخاري بسنده عن خباب قال: أتيت النبي وهو متوسد بُرْدَةً وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله. فقعد وهو محمر وجهه، فقال: "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ". وفي البخاري أيضًا عن قيس قال: أتينا خباب بن الأرت نعوده وقد اكتوى سبعًا، فقال: لولا أن رسول الله نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. أهم ملامح شخصيته جرأته لم يكتم خباب إسلامه عن أحد، فما لبث أن بلغ خبره أم أنمار فاستشاطت غضبًا وتميزت غيظًا، وصحبت أخاها "سباع بن عبد العزى" ولحق بهما جماعة من فتيان خزاعة ومضر جميعًا إلى خباب، فوجدوه منهمكًا في عمله، فأقبل عليه "سباع" وقال: لقد بلغنا عنك نبأ لم نصدقه. فقال خباب: وما هو؟ فقال سباع: يشاع أنك صبأت، وتبعت غلام ابن هاشم. فقال خباب في هدوء: ما صبأت، وإنما آمنت بالله وحده لا شريك له، ونبذت أصنامكم، وشهدت أن محمدًا عبد الله ورسوله. فما أن لامست كلمات خباب مسامع "سباع" ومن معه حتى انهالوا عليه، وجعلوا يضربونه بأيديهم ويركلونه بأقدامهم، ويقذفونه بما يصلون إليه من المطارق وقطع الحديد، حتى هَوَى على الأرض فاقد الوعي والدماء تنزف منه. ثباته على الإسلام وصبره ومع كل ما تعرض له من التعذيب الشديد على يد مشركي مكة، فإنه ثبت على الحق كالجبال، ورفض جميع أنواع الإغراءات ليرتد عن دينه؛ يروي البخاري بسنده عن خباب قال: كنت قَيْنًا بمكة، فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفًا، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. قلت: لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثم يحييك. قال: إذا أماتني الله ثم بعثني ولي مال وولد. فأنزل الله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 77، 78]. خوفه وتقواه وقد اغتنى خباب في الشطر الأخير من حياته بعد فقر، وملك ما لم يكن يحلم به من الذهب والفضة، غير أنه تصرف في ماله على وجه لا يخطر ببال أحد؛ فقد وضع دراهمه ودنانيره في موضع بيته، يعرفه ذوو الحاجات من الفقراء والمساكين، ولم يشدد عليه رباطًا، ولم يحكم عليه قفلاً، فكانوا يأتون داره ويأخذون منه ما يشاءون دون سؤال أو استئذان. ومع ذلك فقد كان يخشى أن يحاسب على ذلك المال وأن يعذب بسببه. بعض المواقف من حياته مع الرسول عن عبد الله بن خباب بن الأَرَتّ عن أبيه -وكان قد شهد بدرًا مع رسول الله -: أنه راقب رسول الله الليلة كلها حتى كان مع الفجر، فلما سلم رسول الله من صلاته، جاءه خباب فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها. فقال رسول الله : "أجل، إنها صلاة رغب ورهب، سألت ربي فيها ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يظهر علينا عدوًّا من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يلبسنا شيعًا فمنعنيها". مع الصحابة دخل خباب بن الأرت على عمر بن الخطاب فأجلسه على متكئه وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا إلا رجل واحد. قال له خباب : من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: بلال . فقال خباب : ما هو بأحق مني؛ إن بلالاً كان له في المشركين من يمنعه الله به، ولم يكن لي أحد يمنعني، فلقد رأيتني يومًا أخذوني فأوقدوا لي نارًا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتّقيت الأرض إلا بظهري. قال: ثم كشف عن ظهره، فإذا هو قد برص . أثره في الآخرين أثر خباب في إسلام عمر كان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يومًا متوشحًا سيفه يريد قتل رسول الله ، فذكروا له أنهم اجتمعوا في بيت عند الصفا، فلقيه نعيم بن عبد الله فأخبره بإسلام أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو، فرجع عمر عامدًا إلى أخته وزوجها وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها "طه" يقرئهما إياها، فلما سمعوا صوت عمر تغيَّب خباب في بعض البيت، فأخبرهما بما سمع وبطش بزوج أخته سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجَّها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وزوجها: نعم، لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، وطلب من أخته الصحيفة ليقرأها، فأمرته أن يغتسل حتى تعطيه الصحيفة، فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها "طه" فقرأها، فلما قرأ منها صدرًا، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خباب بن الأرت خرج إليه فقال له: والله يا عمر، إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمسِ وهو يقول: "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب"، فاللهَ الله يا عمر. فقال عند ذلك: فدلني يا خباب على محمدٍ حتى آتيه فأسلم. فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا، معه نفر من أصحابه. وذهب عمر وأسلم. وفاته تُوفِّي خباب بالكوفة سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وصلى عليه علي بن أبي طالب حين منصرفه من صفين، ثم وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على قبره قائلاً: رحم الله خبابًا، فلقد أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا |
|
مجموع المقالات: 0 | |